ماذا يحدث في أسواق السندات الدولية عندما تتبدل "هندسة المواقع" بشكل دراماتيكي فيتحول المشترون الكبار إلى بائعين؟
وما هي خيارات سوق الديون التي تقبع الآن بين سندان التضخم ومطرقة الفائدة؟
المؤكد أن القادم في هذه السوق سيكون مختلفًا تماماً في ظل توجه كبرى البنوك المركزية للتشديد الكمي خلال الأشهر المقبلة، حيث بدأت هذه البنوك بالفعل في تقليص محافظها الاستثمارية الضخمة التي راكمتها قبل عقد من الزمان عبر شراء تريليونات الديون أحد إفرازات الأزمة المالية العالمية في 2008.
من الآن فصاعداً، يتعين على المستثمرين في سوق السندات أن يستعدوا لرؤية البنوك المركزية وهي تقلص ميزانياتها العمومية، لأول مرة في التاريخ، الأمر الذي سيدفعها صوب حمى بيع السندات، فبنك إنجلترا، على سبيل المثال، بدأ الشهر الحالي خطة تقضي بإجراء تخفيض تدريجي لمخزون تلال الديون البالغة 895 مليار جنيه استرليني، والتي اشتراها على مدار العقد الماضي، فأوقف "المركزي البريطاني" إعادة استثمار السندات الحكومية التي يحتفظ بها عند استحقاقها، وإذا ارتفعت أسعار الفائدة من نصف في المائة حالياً إلى 1 في المائة على الأرجح في مايو المقبل، فسيفكر البنك في بيع سنداته الممتازة.
أما "الاحتياطي الفيدرالي"، الأكبر عالمياً، فأعلن منذ فترة أنه سيبدأ مرحلة التشديد الكمي عبر خفض ميزانيته البالغة 9 تريليونات دولار، حيث من المتوقع أن يرفع أسعار الفائدة خلال اجتماع مارس المقبل، وعلى نفس الخطى، يسير نظيره البنك المركزي الأوروبي، مما سيؤدي إلى نضوب مصدر كبير للطلب على السندات، إذ سيتخلى "المركزي الأوروبي" بشكل تدريجي عن مشترياته من الديون هذا العام، على الرغم من أن المؤشرات تؤكد أنه لن يتجه في الأمد القريب إلى منهج نظراؤه في اعتماد سياسة التشديد الكمي.
الخلاصة
يركز المراقبون والمستثمرون بشكل كبير على ارتفاع أسعار الفائدة، ولا يفكرون في مسألة خفض الميزانيات العمومية، وستمثل البدايات المبكرة للتشديد الكمي إشارة البدء لتسريع ارتفاع أسعار الفائدة، وبما أن الاحتياطي الفيدرالي لم يشر إلى أن تخفيض الميزانية العمومية هو بديل لرفع الفائدة، حيث يصر البنك المركزي الأمريكي على أن أسعار الفائدة قصيرة الأجل هي أداته الأساسية لترويض التضخم، بينما تفترض الأسواق أن السياستين مكملتان لبعضهما البعض، ولهذا، لابد من مراقبة كيفية استجابة الأسواق لارتفاع أسعار الفائدة المصاحبة للتشديد الكمي.